عن أَبي موسى رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ : ((تعاهدوا هَذَا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإبلِ فِي عُقُلِهَا)) متفقٌ عَلَيْهِ.
نشرة أهل القرآن
إلى الآباء ! رسائل في التربية (2)

الرسالة الأولى : اجعل أولادك يحبونك

حُب  الأبناء فطرة إنسانية وطبيعة بشرية, وقبل كل ذلك فهي منحة إلهية وهبة ربانية . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا : إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى : إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ.. فَتَحَاكَمَتَا إِلى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ : ائْتُوني بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى : لا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللهُ هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى) .

* وكلما أمعن الوالدان في حب أبنائهما، كلما بادلهم الأبناء حباً بحب , وشفقة بشفقة .
روي أن معاوية دخلته موجدة على ابنه يزيد فأرق لذلك ليلته، فلما أصبح بعث إلى الأحنف ابن قيس فأتاه، فلما دخل عليه قال له : يا أبا بحر كيف رضاك على ولدك وما تقول في الولد ؟ قال : يا أمير المؤمنين : هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة، وبهم نصول إلى كل جليلة.. فإن غضبوا يا أمير المؤمنين فأرضهم، وإن طلبوا فأعطهم.. يمنحوك ودهم، ويحبّوك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقيلاً فيتمنّوا موتك، ويكرهوا قربك، ويملوا حياتك.
قال لله درك يا أحنف والله لقد بعثت إليك وإني من أشد الناس موجدة على يزيد، فلقد سللت سخيمة قلبي ..
ودخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال : من هذه يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذه تفاحة القلب.. قال : انبذها عنك، فإنهن يلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن .. قال : لا تقل هذا يا عمرو، فوالله ما مرّض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الأحزان، إلا هن، وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته .. فقال عمرو : ما أراك يا أمير المؤمنين إلا وقد حبّبتهن إليّ بعد بغضي لهن .
* وإن الرحمة بالأولاد والحنو بهم والشفقة عليهم لهي من أهم الأسباب التي تجعل الأبناء يحبون آباءهم ويبرونهم . ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الرحمة بالأولاد والشفقة عليهم والرفق بهم .
روى البخاري في صحيحه : عَنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إني لأَقُومُ في الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا،‏ فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ،‏ فَأَتَجَوَّزُ في صلاتي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ)‏ .‏
* إن بعض الآباء لا يعرف إلا معاني القسوة والغلظة في معاملته مع أبناءه, فإذا دخل بيته قام الجالس واعتدل القاعد واستيقظ النائم وسكت الضاحك وقطب الباسم، ولا يعرف غير السوط أو العصا لغة للتفاهم, فمثل هذا لا يُنتظر من أولاده سوى الجفاء والعقوق .
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ولده، فأمر عمر بإحضار الولد، وأنّبَ عمر الولد لعقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟! قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (أي : القرآن)، قال الولد: يا أمير المؤمنين : إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك؛ أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له : جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته من قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه من قبل أن يسيء إليك.
* وبعضهم لو سألته منذ متى قبّلت أولادك, أو ضممتهم بين أحضانك ؟ ربما لا يتذكر, وهذا من أمارات نزع الرحمة والرفق من قلبه . روى الإمام مسلم في صحيحه : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده رجل اسمه الأقرع بن حابس رضي الله عنه، فرأى الأقرع بن حابس النبي عليه الصلاة والسلام يقبل الحسن والحسين، فقال : تقبّلون أولادكم؟ والله إن لي عشرة من الأولاد ما قبّلت أحداً منهم، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: وما أملك لك إن نزعت الرحمة من قلبك؟!).
* وإذا سألت بعضهم كم مرة أخبرت ولدك وقلت له (أنا أحبك) ؟ ربما فغر فاه من الدهشة . ولقد علمنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا أحب أخاً له في الله فليخبره بذلك . فإذا كان هذا مع من لم تربطك به صلة دم أو رحم، فما بالك بأولادك وفلذات أكبادك، فهم أولى الناس بذلك.
* وأخيراً : ألا يحتاج أولادك منك إلى كلمة الحب, ونظرة الحب, ولقمة الحب، ولمسة الحب, وضمة الحب, وقبلة الحب, وبسمة الحب..
فالآن اذهب إلى أولادك، وخذهم بين أحضانك، وامسح على رؤوسهم، وداعبهم .. لا تتردد افعل ذلك ولسوف ترى الفرق .. والآن قل لولدك :
ولدي وأنت على الزمان ** لي السراج النير
لك من حناني ما يضيق ** الوصف عنه ويقصر
ولدي وهل شيء أعز ** علي منك وأكثر
يصفو الزمان إذ ابتسمت ** بناظري ويثمر
وإذا شكوت فكل ما ** حولي جديب مقفر

اعلم أخي الحبيب : أن كل الأبناء الذين حصلوا على حب حقيقي من الأبوين يتمتعون بصفات : الثقة، والصحة النفسية، والقدرة على الإنجاز، والقدرة على تكوين علاقات، والإبداع، والاستقلالية.
كافة الحقوق محفوظة لــ الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم 2010
تصميم و برمجة الحلول التكنولوجية
الرئيسية  ـ  الجمعية  ـ  الأخبار  ـ  إصدارت  ـ  تبرع للجمعية  ـ  إتصل بنا